الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الجزائر وفرنسا.. اتفاقية شراكة تتجاوز
الجزائر وفرنسا \ ليفانت نيوز

رغم خلافات طفت بداية أكتوبر 2021، عندما استدعت السلطات الجزائرية سفيرها لدى فرنسا للتشاور، بجانب إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات الفرنسية، فقد توجه الجانبان رويداً رويداً إلى حل خلافتهما، خاصة إبان بدء الحرب الأوكرانية، التي غيرت من سياسات عالمية وحولت بعض الخصوم إلى أصدقاء، بحكم المصالح التي يمكن أن يحققوها لبعضهم.

ولعل الغاز الجزائري يبرر المساعي الفرنسية لترطيب الأجواء وتعزيزها إلى أقصى حد ممكن، في ظل المخاوف الأوروبية من الشتاء القادم، وما قد يواجه شعوبها من نقص في إمدادات الطاقة وارتفاع في التكاليف والتضخم الاقتصادي.

وثائق تاريخية

ويعد التاريخ أحد أهم المشاكل التي تعترض تحسين العلاقات الفرنسية الجزائرية، في ظل تعارض الرؤية التاريخية لفترة الاستعمار الفرنسي لـ الجزائر، والتي امتدت لـ 132 سنة، بدءاً من العام 1830م، إلى العام 1962م، وعليه قررت باريس فتح أرشيف التحقيقات القضائية الخاص بحرب الجزائر (1954-1962) قبل 15 عاماً، من المهلة القانونية، وبعد قرابة 60 عاماً على الاستقلال، وهو ما اعتبر لفتة فرنسية، لأجل المصالحة مع الجزائر، التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ عدة سنوات.

وبالصدد، أعلن المعهد الوطني الفرنسي السمعي البصري، نهاية يناير الماضي، أنه بصدد نشر وثائق تاريخية وشهادات حية تتعلق بالثورة الجزائرية عملاً بتوصيات المؤرخ بنجامان ستورا، وتوجيه من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث قالت المؤسسة الفرنسية إنها ستبدأ مطلع مارس، بنشر 180 ساعة من المقابلات مع المدنيين والمقاتلين من كلا الجانبين، الذين شهدوا أحداث الحرب في الجزائر، وذلك عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.

اقرأ أيضاً: عقب شهور من التوتر.. ماكرون إلى الجزائر لإحياء الشراكة

وجاءت تلك الخطوة بمناسبة الذكرى الستين لتوقيع اتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962، التي رسمت انتهاء الحرب الجزائرية، فيما كان تقرير بنجامان ستورا قد تضمن مقترحا بـ"إحراز تقدم في المسائل المتعلقة بالأرشيفات، بهدف نقل بعضها من فرنسا إلى الجزائر، والسماح للباحثين من البلدين بالاطلاع على الأرشيفات الفرنسية والجزائرية، وتسريع مسار رفع السرية عن الوثائق”.

وبعد شهر واحد، وتحديداً في الخامس من فبراير، أكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تتخذ "منحى تصاعدياً"، وقال إن "الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون لديهما علاقات جيدة على المستوى الشخصي”، وأضاف أن "الاتصالات بين الرئيسين أخوية وتتميز بالثقة، لكنها لا تكفي للتغطية على المشاكل الموجودة"، مردفاً: "نحن كما أعتقد في منحى تصاعدي، رغم المصاعب”.

وبخصوص الذكرى الستين لتوقيع اتفاقيات إيفيان في مارس 1962 والتي كرست وقف إطلاق النار بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية تمهيداً للاستقلال، قال لعمامرة إنه ينتظر أن تستعيد الجزائر "الأرشيف وحتى بعض جماجم المناضلين الجزائريين التي ما زالت في فرنسا"، متسائلاً "هل من الإنسانية الاحتفاظ بالجماجم في متاحف؟”.

ماكرون في الجزائر

وبما أن ما قبل الرابع والعشرين من فبراير (تاريخ الغزو الروسي لأوكرانيا)، ليس كما بعده، خاصة في أوروبا، فقد كان لزاماً على القوى الأوروبية الرئيسية ومنهم فرنسا، البحث عن مصادر طاقة جديدة بديلة عن الغاز والنفط الروسي، ويبدو أن أحد الخيارات المتاحة للفرنسيين، هي الجزائر، وعليه فقد كشف قصر الإليزيه، في العشرين من أغسطس الماضي، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سيزور الجزائر بغية إعادة إحياء الشراكة بين البلدين.

وأتى في بيان للرئاسة الفرنسية صدر عقب اتصال هاتفي بين ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون إن "هذه الزيارة ستساهم في تعميق العلاقات الثنائية مستقبلاً.. وتعزيز التعاون الفرنسي- الجزائري في مواجهة التحديات الإقليمية ومواصلة العمل على ذاكرة" فترة الاستعمار.

اقرأ أيضاً: عقود غاز من شأنها تجديد العلاقة بين الجزائر وفرنسا

وبالفعل، بدأ ماكرون، في الخامس والعشرين من أغسطس، زيارة رسمية للجزائر، حيث حطّت طائرة ماكرون في مطار هواري بومدين بالعاصمة، برفقة وفد شمل 90 فرداً بينهم سبعة وزراء، وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في استقبال نظيره الفرنسي، قبل التوجه إلى مقام الشهيد، وقد صرح الرئيس الجزائري إنه بحث مع نظيره الفرنسي تعميق العلاقات بين البلدين ضمن إطار من الشراكة الاستراتيجية.

ونوّه إلى الاتفاق بأهمية تكثيف التشاور فيما يخص المسائل المطروحة على الساحة الدولية، التي نتج عنها تحديات تمس استقرار منطقة المتوسط، مؤكداً أن التحديات الحالية تتطلب التعاون بين الجزائر في فرنسا سواء على المستوى الثنائي أو على المستوى المتعدد الأطراف، كما أثنى الرئيس الجزائري، على النتائج التي نتجت عن زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، مشيراً إلى أنه جرى تقييم شامل لمستوى التعاون بين البلدين ورسم آفاق واعدة لمستوى الشراكة الاستراتيجية التي تجمع باريس والجزائر.

انتقادات من الطرفين

وفي إطار توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، تم الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين "للنظر معاً في هذه الفترة التاريخية" من بداية الاستعمار وحتى نهاية حرب الاستقلال، "بدون محظورات"، فيما انهالت الانتقادات الغاضبة على الرئيس الفرنسي من قبل الطبقة السياسية الفرنسية من اليسار إلى اليمين المتطرف، بعد إعلان تشكيل لجنة المؤرخين.

إذ قال زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور على "تويتر"، إن "إيمانويل ماكرون قال في 2017 إن الاستعمار هو أول جريمة ضد الإنسانية، وفي عام 2021 تساءل عن وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار"، معتبراً أن "ضعف تعامل رئيس الجمهورية (مع الملف) يهين الذاكرة الجريحة"، فيما اعتبر النائب عن التجمع الوطني (يمين قومي) توماس ميناجيه، أن "الرئيس خلد إلى النوم" بإعلانه عن اللجنة المشتركة، مؤكداً أنه "يجب على الجزائر الكف عن استخدام الماضي حتى لا تقيم صداقة ودبلوماسية حقيقية".

اقرأ أيضاً: ترقب فرنسي لزيادة شحنات الغاز من الجزائر

كذلك تعرضت زيارة ماكرون، لانتقادات في الداخل الجزائري، إذ كان العديد من الجزائريين ينتظرون اعتذاراً رسمياً من الرئيس الفرنسي عن الاستعمار وعن تصريحاته في خريف 2021، عندما شكك في وجود أمة جزائرية قبل الغزو الفرنسي في يونيو 1830، وكتبت صحيفة "لوسوار دالجيري" الناطقة بالفرنسية في السابع والعشرين من أغسطس أن "التاريخ لا يمكن أن يكتب بالأكاذيب"، مضيفة: "من أكبر الأكاذيب أن نقول إن الجزائر من صنع فرنسا.. كنا ننتظر أن يمحو ماكرون هذه الكذبة الفاضحة خلال هذه الزيارة"، ورأت أن ماكرون يفتقر "للشجاعة من أجل الاعتراف بأخطائه وأخطاء بلاده".

اتفاقيات كبرى رغم "الجماجم"

لكن وعلى الرغم من وجود معترضين في الطرفين، فقد أمضى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على "إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة" بين الجزائر وفرنسا، وهي وثيقة نصت على إنشاء مجلس أعلى للتعاون على مستوى الرئيسين، وتحديد أولويات الشراكة بين البلدين في أهم المجالات، وترسم أجندة مشتركة للمستقبل بحلول عام 2030، حيث ضمت ديباجة و6 محاور للتعاون هي: الحوار السياسي، التاريخ والذاكرة، البعد الإنساني والتنقل، الشراكة الاقتصادية من أجل التحول الطاقوي، التعاون التربوي والعلمي والثقافي والرياضي، والشباب.

اقرأ أيضاً: النظام السوري لن يشارك بالقمة العربية المقررة في الجزائر

وقد أشارت الديباجة إلى أن الجزائر وفرنسا قررتا بدء حقبة جديدة في علاقاتهما، من خلال إرساء أسس شراكة متجددة، تتجسد من خلال نهج ملموس وبناء، موجه نحو المشاريع المستقبلية والشباب، كما أكدت على أن البلدين يعتزمان لعب دور مركزي في تعزيز الشراكة بين أوروبا وأفريقيا لبناء منطقة متوسطية للسلام والتنمية والازدهار المشترك.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!